الخميس، 19 يونيو 2008

الحواريون و كُـتَّاب الأناجيل يعـتبرون المسيح عليه السلام عبداً لِلَّـه اجتباه الله و اختاره و يعتبرونه بشرا نبيا كموسى عليه السلام



يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات... جعل الأرض قرارا وأحاطها بسبع سماوات...جعل فيها أنهارا وفجاجا وجبالا راسيات ... أخرج منها نبات كل شىء وقدر فيها الأقوات ... أنزل الغيث مباركا والفلك بالخير فى البحر جاريات ...سخر الشمس والقمر دائبين والنجوم بالليل بازغات ...خلق الحياة ليبلونا وكتب علينا الممات ...نحمده تبارك وتعالى حمدا يليق بجلال الذات وكمال الصفات ...ونعوذ بنور وجهه الكريم من السيئات والهفوات ...ونسأله من نوره نورا ننجو به من العثرات وحالك الظلمات ...اما بعد


الحواريون و كُـتَّاب الأناجيل يعـتبرون المسيح عليه السلام عبداً لِلَّـه اجتباه الله و اختاره و يعتبرونه بشرا نبيا كموسى عليه السلام


يرى المسلمون ـ تبعا لتعليم كلام الله تعالى في القرآن الكريم ـ أن عيسى المسيح عليه السلام كان عبدَ اللهِ و رسولَه، و لعل بعض عوام النصارى يمجُّ وصف المسيح بـ " العبوديّة " و يرى فيه إنقاصا لقدر المسيح عليه السلام ، لكن الحقيقة التي قد يندهش لها المسلم قبل النصراني العامي، أن هذا الوصف بعينه، أعني وصف المسيح بالعبودية لله، جاء في متن الأناجيل، بل في متن التوراة و الزبور، أي في تلك البشارات التي كان كتَّاب الأناجيل و الحواريون يستشهدون بها على أن المقصود بها المسيح عليه السلام .و فيما يلي الشواهد على ذلك :

(1) يقول متَّـى ـ و هو أحد الحواريين الاثني عشر ـ في إنجيله (12 / 12 ـ20) :" و لما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع و انصرف من هناك. و تبعـته جموع كثيرة فشفاهم جميعا. و أوصاهم أن لا يظهروه. لكي يتم ما قيل بإشعيا النبي القائل: " هو ذا[11] فـتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سُـرَّتْ به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم و لا يصيح و لا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبةً مرصوصةً لا يقصف و فتيلة مدخنة لا يطفىء. حتى يُخرِج الحق إلى النصرة و على اسمه يكون رجاء الأمم "قلت: ففي هذا النص يستشهد كاتب الإنجيل الأول القديس متى الحواري، و هو من الحواريين الاثني عشر و من أوائل المؤمنين بالمسيح عليه السلام ، ببشارة وردت في سفر إشعيا من العهد القديم، على أنها تتكلم عن المسيح عليه السلام. و هذه البشارة تبتدأ بإعلان عبودية المسيح لله عز و جل و ذلك حين تقول: " هو ذا فتاي الذي اخترته "، إذ كلمة فتاي مرادف لكلمة عبدي أو غلامي، و للتأكد من ذلك ما علينا إلا أن نرجع إلى سفر إشعيا نفسه الذي وردت فيه تلك البشارة حيث نجد البشارة في الإصحاح الثاني و الأربعين منه كما يلي: " هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح و لا يرفع و لا يسمع في الشارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف و فتيلة خامدة لا يطفئ.... الخ" إشعيا: 42 / 1 ـ 4. و لذلك في الترجمة الأخرى الجديدة للعهد الجديد التي قامت بها الرهبانية اليسوعية (الكاثوليكية) في بيروت (1989 م) استُخْدِمَت لفظة " عبدي " عند ذكر كلام متى و استشهاده بالبشارة المذكورة. و الحاصل أن تطبيق متى الحواري تلك البشارة على عيسى عليه السلام يبين أن متى كان يرى في عيسى: " عبد الله، الذي اختاره الله تعالى و اجتباه و أوحى إليه بواسطة جبريل و بعثه بالحق للأمم... " تماما كما هو التصور الإسلامي للمسيح عليه السلام، أي لم يكن متى يرى في المسيح إلها متجسدا و لا ربا معبودا!.

(2) يذكر القديس لوقا، كاتب الإنجيل الثالث و مؤلف سفر " أعمال الرسل"[12] ، في أعمال الرسل :
أن القديس فيليبس (أحد المعاونين السبعة الذين اختارهم الحواريون لمعاونتهم في خدمة المائدة و تقسيم الأرزاق اليومية، لأنهم وجدوهم مملوئين من الروح القدس و الحكمة)، لما سأله العبد الحبشي الخصي عن الشخص المراد بالآيات التي كان يتلوها من سفر النبي إشعيا عليه السلام و التي تقول: " كخروف سيق إلى الذبح. و كحملٍ صامتٍ بين يدي من يجزُّه. هكذا لا يفتح فاه. في ذلِّهِ ألغي الحكم عليه. ترى من يصف ذريته؟. لأن حياته أزيلت عن الأرض"[13] ، أجابه القديس فيليبس أن هذه الآيات تشير إلى يسوع و أخذ يشرح له ذلك، فآمن الرجل و طلب من فيليبس أن يعمده فعمده. من هذه القصة يتبين أن كلا من لوقا كاتب أعمال الرسل و القديس فيليبس كانا يريان أن تلك البشارة في كلام إشعيا إنما تنطبق على المسيح و تشير إليه، و هو أمر أصبح، فيما بعد، من المسلمات لدى آباء الكنيسة.فإذا رجعنا إلى أصل هذه البشارة كما جاءت في سفر النبي إشعيا عليه السلام وجدناها بشارة مطولة تبدأ هكذا: " هو ذا عـبدي يعقل، يتعالى، و يرتقي، و يتسامى جدا.. (إلى أن قال) ظُـلِـمَ أما هو فـتذلل و لم يفتح فاه،كشاةٍ تُساق إلى الذبح... (إلى قوله) و عـبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين و آثامهم هو يحملها، لذلك أَقسم له بين الأعزاء، و مع العـظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه و أُحْصي مع أثمة و هو حَمَلَ خطـيَّـة كثيرين و شفع في المذنبين " إشعيا: 53 / 1 ثم 7 ثم 11 ـ 12. و إذن فإن لوقا وفيليبس اللذان طبقا هذه البشارة على المسيح، كانا يريان فيه: عبداً لِلَّهِ تعالى تسامى و ارتقى بعظيم تضحيته، و عبد الله البار، الذي رضي الله عنه لأجل تضحيته فجعله مع أعزائه و قسم له مقاما بين عظمائه. لذا لا نعجب إذا رأينا لوقا ـ في كتابه أعمال الرسل ـ يطلِق على المسيح مرارا لقب "عبد الله"[14] ، كما نجد ذلك في أعمال الرسل: 3 / 13 و 26، و 4 / 27 و 30. هذا و من الجدير بالذكر أن لوقا و فيليبس ليسا الوحيدين اللذين ذكرا أن تلك البشارة تشير للمسيح، بل شاركهما في ذلك أيضا متى في إنجيله: 8/17.


(3) و في سفر أعمال الرسل أيضا (3 / 12 ـ 26) ينقل لوقا الخطبة التي ألقاها القديس و الحواري بطرس أمام الشعب الإسرائيلي فيقول: " فلما رأى بطرس ذاك أجاب أيها الشعب الإسرائيليون...إن إله إبراهيم و إسحق و يعقوب إلـه آبائنا مجَّـد عـبـده يسوع الذي أسلمتموه أنتم و أنكرتموه أمام وجه بيلاطس و هو حاكم بإطلاقه. و لكن أنتم أنكرتم القدوس البار و طلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. و رئيس الحيوة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات و نحن شهود لذلك. و الآن أيها الإخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضا. و أما الله فما سبق و أنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا. فتوبوا و ارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. و يرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل. الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر. فإن موسى قال للآباء إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلـهكم من إخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به. و يكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب. و جميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا و أنبأوا بهذه الأيام. أنتم أبناء الأنبياء و العهد الذي عاهد به الله أباءنا قائلا لإبراهيم: و بنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولا إذا أقام الله فـتـاه يسوع أرسله يبارككم بردِّ كلَّ واحد منكم عن شروره "من هذا النص أيضا يتبين أن عقيدة القديس بطرس ـ الذي كان من أقرب الحواريين للمسيح[15] ـ بالمسيح عليه السلام لم تتجاوز كونه عبد الله، و كونه نبيا كموسى عليه السلام، حيث استشهد بطرس ببشارة واردة في التوراة يقول فيها الله تعالى لموسى أن يقول لبني إسرائيل: " إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلـهكم من إخوتكم " فاعتبر البشارة متعلقة بالمسيح، مما يعني كون المسيح عليه السلام في اعتقاده نبيا مثل موسى عليه السلام، و المثلية هذه تؤكد كون عيسى عبداً رسولاً و بشراً نبيا كما كان موسى عبداً رسولاً و بشراً نبيا.



مع خالص تحياتي

اخوكم

عمر الخيــــــــــام

ليست هناك تعليقات: